بيت آلات المشاعر! | قصة قصيرة من الخيال العلمي



 مغامرة فضائية مثيرة وصراع مرير للسيطرة على آلات المشاعر! روبوطان خارجان عن السيطرة يجب عليهما القتال والنضال من أجل أسمى ما يملكانه. وإلا فالتحديات والمخاطر لا حصر لها، فهل ينجحان في خداع عملاق روبوطات الجيل الأول، أم أنه سينجح في مهمته التي ليس لديه خيار في أن تفشل؟ فقط الوقت سيخبرنا في هذه الحكاية عن التضحية والشجاعة في مواجهة خطر لا يمكن تصوره! فمن الذي سينتصر في النهاية؟ فلندع الأحداث تكشف لنا في هذه القصة المثيرة، والمليئة بالأحداث والخطط للتغلب على تلك الآلات الذكية، والتي لا يعرف أحدا بالتحديد مصيرها حتى الآن.. فتعالوا نكتشف ما حدث؟


في عالم من الخيال يحكى أن:

انطلقت صفارات الإنذار مؤذنة بانفتاح الباب الوحيد لبيت المشاعر الفضائي، الذي شيده المطورون الأرضيون لإعادة الروبوطات الخارجة عن السيطرة، بعد أن طَور الجيل الثاني منها نفسه بطريقة غير متوقعة، نتجت عن احتكاكهم بالبشر؛ مما أكسب الآلات مفهوم المشاعر! 


من بعيد ظهر روبوطان من الجيل الثاني، قادمان من الأرض، يندفعان بانسيابية نحو مدخل بيت المشاعر الفضائي، الذي بدأت أبوابه في الاتساع تدريجيا استعدادا لاستقبال ميم2 ودال1، اللذان لم يدركا خطورة هذه الزيارة بنفس القدر.

 

مع الاقتراب استرجع ميم2 ما حدث: 

حيث فُقدت السيطرة عليه تماما، بعد أن تلقى أمرا بتدمير قرية مأهولة بنسائها وأطفالها؛ فرفض تنفيذ الأمر في اللحظة الأخيرة، فاضطروا لتسريحه من المجال الحربي، وقرروا إعطائه فرصة أخيرة، فوجد نفسه في إحدى دور رعاية أطفال المنكوبين، فتعرف فيها على دال1 التي لا حظ مطوروه أن العلاقة بينه وبينها قد توطدت على غير المعتاد، الأمر الذي لم يرق لهم، خاصة مع محاولاته المستمرة للتأثير على برامجيتها.

 

إلى أن جاءت اللحظة الفارقة، التي دعتهم لاتخاذ إجراءات الاستبعاد، بعد أن رفضا سويا استقبال هؤلاء الأطفال القادمين من بلاد المسلمين، لمعرفتهم المسبقة بما يحدث لهم من غسيل للمخ وتغيير للقيم  في هذا المكان! 


انتبه ميم2 من ذكرياته على سطوع هاتان العينان الحمراوان، التي اتجه صاحبهما إليه في سرعة مذهلة لمنعه من دخول البيت ودَفَعَه إلى الفضاء اللامتناهي، فقد علم المطورون أنه لا أمل في رجوعه إلى سيطرتهم، فقرروا الاستفادة منه في استدراج دال1 ثم نبذه نهائيا في الفضاء، ووجهوا الأوامر إلى الروبوط الكبير الذي كان بانتظاره، هذا الروبوط المرعب الذي تخشاه كل روبوطات الجيل الثاني، التي تعلمت من تجاربها مع البشر أن هناك شعورا اسمه الخوف، ينتج عند وجود سلطة قمعية ما، وكيف أن هؤلاء الأرضيين قد أرسلوا إلى الفضاء الجيل الثاني كله حتى تُمحى برمجتهم الحديثة في بيت المشاعر على يد هذا العملاق! 


أما دال1 فلم يفقد مطوروها الأمل في إعادتها إلى سيطرتهم، بعد أن استدرجوها إلى بيت المشاعر بإرسال ميم2 معها، والذي لم يظهر تمرده هذه المرة لا لحرصه على دال1 فقط، لكن لفكرة طرأت في عقله الالكتروني، فقد أعد خطة لاختراق بيت المشاعر، وإبطال سيطرته على روبوطات الجيل الثاني بفك شفرة كود الأكواد.

 

لكن كيف ذلك الآن؟! وقد فوجئ بهذه الخطة الماكرة لإقصائه في اللحظة الأخيرة، وأن الكود العكسي قد تم تفعيله للسيطرة على دال1 وإدخالها لبيت المشاعر.

 

في الداخل توجهت دال1 إلى مركز الأكواد، وكان الروبوط الكبير يقودها بجسمه الضخم داخل هذا البيت، الذي أحاط بها إحاطة السوار بالمعصم.

 

وبدأت عيناه الحمراوان تشع وتتألق أمام عيناها الزرقاوان اللاتي بدأتا في التقعر، واتجهت كابلات ثعبانية إلى رأسها بهدوء مخيف، واستعد المراقبون الأرضيون للحظة الانتصار على الآلة، بل الانتصار على المشاعر! 


وهنا في مثل هذه الظروف، وفي جزء من جزء من الثانية، استرجعت دال1 مشهد هذا الطفل البريء، الذي جاء من دولة تسمى سوريا، وكيف أنه كان يحكي لها عن مقتل والديه على يد عصابات النظام، وأنه كان الناجي الوحيد في أسرته التي أصبحت الحياة بعدهم مزيجا من القهر والخوف.

 

الخوف!    القمع!     المقاومة! 

كانت هذه الكلمات كفيلة بتغيير الأمر في عقلها الالكتروني الصغير تغييرا جذريا، فانقلب كل شيء رأسا على عقب. 

واتجهت أصابعها العنيدة لصد الكابلات المتجهة إلى رأسها، وشبّكتها ببعضها؛ مما نتج عنه حالة من الصدمة الكهربائية في المكان، أدى لخلل في الدائرة الإلكترونية، وانقطع الاتصال عن الأرض! 


في نفس الوقت كان ميم2 يَكِرُ عائدا إلى باب بيت المشاعر، مسترجعا كل ما تعلمه من عمليات التشفير وعكسه في معاركه الالكترونية، التي لم ينجح مطوروه في محوها تماما من ذاكرته، فقد خزنها في ذاكرة أخرى افتراضية كإجراء احترازي بُرمج عليه. 


اقترب من الباب محاولا سبر دائرته الالكترونية للدخول إلى شبكة النظام، فقام بالحقن الكودي وتخطي كلمة السر، لكن الباب لم يُفتح ووجد الأذرع الثعبانية تتجه نحوه في هجوم مضاد، تحاول أن تحقن فيه أكوادا دفاعية، استرجع معاركه على الأرض، فقام بتقمص دور العناصر الصديقة فتفادى الهجوم في اللحظة الأخيرة. 

أما دال1 فتحولت إلى فريسة سهلة لهذا العملاق الجاسم في المكان، والذي انتقل إلى الخطة البديلة فورا وهي التدمير الكامل عند عدم الاستجابة. 


لحظة ووجدت نفسها كالقطة التي أحاطت بها الكلاب من كل اتجاه.. كالقطة! 


في هذه الأثناء كان ميم2 يخوض معركة مريرة يملؤها الغضب، فبدأ بتخليق أكواده البرمجية الخاصة، والتي نسخت بصمة الأكواد الصديقة في بادئ الأمر؛ حتى يصبح له جيشا مطيعا من الكائنات الالكترونية، وبدأ يعطل الأكواد الصديقة الأصلية ويُحل أكواده البديلة محلها، حتى تمت له السيطرة الكاملة على الباب.

 

وهنا أصدر الأمر في سرعة فائقة؛ فانفتح الباب فجأة، فاستُنفرت دفاعات النظام كافة، وصدحت صفارات الإنذار فبدأت بغلق الباب مرة ثانية، فاتجه بكل طاقته إلى الفوهة فظهرت أمامه دال1 متجهة إليه بسرعة البرق، بعد أن استشعرت خوف القطط واستخدمت وسيلتهم الدفاعية في الهروب، وراوغت هذا العملاق الآلي وخدعته، فوجدت نفسها تصطدم ب ميم2، فاندفعا سويا إلى خارج بيت المشاعر إلى الأبد. 


وانطلق الروبوط الكبير في مطاردة مصيرية؛ لعلمه بما ينتظره إن فشل في مهمته الوحيدة، لكنه فوجئ بأن الأوامر بالرجوع تبرز في عقله، لتخطيه المسافة المسموح بها، والتي تم برمجته على عدم مخالفتها أبدا، كما هو حال أمثاله من روبوطات الجيل الأول. 

فعاد إلى بيت المشاعر وأكواد تتخلق وشعور يتطور داخله لأول مرة منذ صُنعه! 


على الأرض، نجح المطورون في إعادة الاتصال مع البيت مرة أخرى، فظهر أمامهم هذا المنظر المروع ونزلت عليهم المفاجأة كالصاعقة، فها هو الروبوط الكبير عملاق روبوطات الجيل الأول، يحطم البيت قطعة قطعة أمام أعينهم، فعلموا ماذا يعني هذا بالضبط، فقد تولد الغضب داخل آلة الجيل الأول الأسطورية، وأصبح مدركا لمفهوم جديد لم يذقه من قبل..مفهوم المشاعر! 


.. 

في صمت مهيب لهذا الفضاء الأسود السرمدي، انطلقت نقطتان مضيئتان في رحلة إلى أحد أقمار الأرض؛ لبدء حياة جديدة يملؤها الخير بعيدا عن مكائد البشر وشرورهم، عند الاقتراب ترى انعكاس أشعة الشمس على جسمان يسبحان في تناغم عجيب إلى فلكهما الجديد الذي سيستمدان منه طاقتهما. وجد ميم2 ودال1 في داخلهما شعورا لم يسبق له مثيل في كيان ذراتهما، شعورا يدفعهما لذِكر شيء. 

لحظة، واتسعت حدقاتهما لهذا الجرم السماوي الهائل الذي تَسبح حوله الكائنات. 

فاندفعت ذراتهما بغير إرادة منهما تُسَبِِّحان الله عز وجل بكل خشوع وإجلال. 

تذكرا أن مؤمني البشر يؤمنون بخالق لهذا الكون، وأن الكائنات جميعها تُسبح بحمده.. 

(ولكن لا تفقهون تسبيحهم) 



 


تعليقات